صاحبةُ الحكايات
بقلم

الدكتور عيسى زيدان المرزوقي
أخصائي بالصحة العامة
وزارة الصحة- دمشق
الجمهورية العربية السورية

كان يعيشُ في بيتٍ هادئٍ جميل

تحيطُ بهِ أشجارُ الوردِ والنخيل

رائعِ التصميمِ شامخِ البُنيان

فيهِ أسبابُ الراحةِ والاطمئنان

على كُلِّ بابٍ حارسٌ أمين

يحميه مِنَ اللصوصِ والطامعين

وفي كُلِّ رُكنٍ مِنْ أركانهِ جهازُ إنذار

يُنَبِّهُ صاحبَ البيتِ إذا داهَمَتْهُ الأخطار

بل فيهِ أجهزةٌ خاصةٌ عجيبة

تَصْطَادُ مَنْ يتسللُ إلى الدارِ بصورةٍ مُرِيبة

وأمّا إذا حَصَلَ أمرٌ طارئٌ مُرِيع

فَهُنَاكَ أجهزةٌ للاتصال السريع

ورِجَالُ النَّجْدَةِ الأقوياءُ الأُمناء

يَهُبُّونَ لتلبيةِ النِّداءِ دونَ إبطاء

وهكذا تمضي الحياة .. كماءٍ ترقرقَ عبْرَ الفلاة

ولكنّ هَمَسَاتِ ذلكَ الصديق

لَعِبَتْ برأسهِ وقَطَعَتْ عليهِ الطريق

يقولونَ إنها تروي حكاياتٍ عجيبة

تُزيلُ الآلامَ وتَمْسَحُ آثارَ المصيبة

تجعلُكَ تعيشُ خالياً من الهموم

ترى السماءَ صافيةً لا تُلَبِّدُها الغُيوم

تَحْمِلُكَ بِسِحْرِهَا حيثُ تشاء

تَغُوصُ في البَحْرِ وتُحلِّقُ في الفَضَاء

وَبِدَافِعٍ مِنَ الفُضُولِ وحُبِّ التجريب

فَتَحَ بابَ بيتهِ يَتَملّكُهُ شُعورٌ مُريب

وتَدْخُلُ الدَّارَ صاحبةُ الحكايات

كَلِماتُها حُلْوَةٌ كأنّها أُغنيات

تُغري بِطَلْعَتِهَا الشبابَ والبَنَات

وتَعْزِفُ بِخِفّةٍ شَجيَّ النَغَمات

 

ورَاقَتْ لصاحبِ البيتِ الحكاية

وتمنّى لو أنها طالت فأصبحت رواية

ودَعَاها لِتُكرّرَ الزيارات

وأمْرَ الحُرّاسَ أن يفتحوا لها البوَّابات

ولها أن تَدْخُلَ البيتَ في أيِّ وقتٍ من الأوقات

رَغَباتُها أوامر ..وكَلِمَاتُها مسموعات

وتُفْتَحُ لها جميعُ الحُجُرات

وخلال أيامٍ أصبحتْ لها السيادة

تروي الحَكَايا .. وصاحبُ البيتِ يطلبُ الزيادة

وتَعَلَّقَ قلبُهُ .. وبَذَلَ لها الأموال

وهَجَرَ مِنْ أجْلِهَا الأهْلَ والعِيال

وأَرادتْ أن تتأكّدَ مِنْ تَعَلُّقِهِ وصِدْقِ النوايا

فغابتْ عنهُ يوماً وتَخَفَّتْ في بعضِ الزوايا

فانطلقَ يُفتِّشُ عنها في كلِّ مكان

ولمَّا يَئْسَ منها .. شَعَرَ بالحرمان

فأَخَذَتْهُ القشعريرةُ واصْطَكّتْ منهُ الأسنان

وسَالتْ مَدَامِعُهُ و أنْفُهُ ..وتَوَسّعتِ الحدقتان

وانْتَابَهُ الألمُ ..وكادَ يتقطَّعُ مِنْهُ ( المُصْرَان )

وجاءتْهُ بعدما أنْهَكَ جِسْمَهُ الإعياء

فَضَمَّها لِصَدْرِهِ .. وتَنَفَّسَ الصُعَداء

وتيقَّنَتْ من هُيامِهِ ..دونَ شكٍّ أو ارتياب

فَبَدَأتْ تنفيذَ خطَّتِها ..وكَشّرتْ عن الأنياب

عطَّلتْ أجهزةَ الإنذارِ خلالَ أيام

وصاحبُ الدارِ غارِقٌ في الأحلام

طَرَدَتِ الحُرَّاسَ الأُمناء

وأقامَتْ مَكَانَهُم لُصُوصاً أشقياء

في كلِّ يومٍ يزدادُ اللصوصُ ..وتَكْثُرُ السَرِقات

بل أصبحوا يُطالبونَ صاحبَ البيتِ بالإتاوات

وكي يُلَبّي لِمَنْ يَهوى جميعَ الطلبات

أصبحَ لِصَّاً يَرْتَكِبُ الجرائِمَ والمُوبِقات

 

ومَرّتِ الأيامُ والسنوات ..

وتَسَلّلَ إلى البيتِ أحدُ المجرمينَ العُتَاة

هيَ فتحَتْ لهُ الباب .. وانْهَالَ بالطعَنَات

وقُتِلَ العاشِقُ الأحْمَقُ مَهِيْناً..وفَرَّتْ معَ القاتلِ صاحبةُ الحكايات

وبعدَ حينٍ أُلقيَ القبضُ عليها.. وبدأتْ بِدَارِ القضاءِ المُحاكمات

وجَلَسْتُ أُصغي إليها .. تُنَمِّقُ الكلمات

تُدْلي بِما لَديها .. وهي اعترافات

قامَ الدليلُ عليها .. مِنْ شاهدِ الإثبات

عرَّفتْ نفسَهَا وقالتْ..بِغُرورٍ وثَبَات

اسمي .. المُخدِّرات

عمري .. يُعَدُّ بآلاف السنوات

وُلدتُ من بعضِ النباتات

ويَصْنَعُونَ مثلي في المُختَبَرات

عائلتي فيها المشاهير..

وفيها مَنْ هو دونَ ذلكَ بدرجات

الأفيون ..لَهُ بيننا مَقامٌ خطير

والمورفين والهيروين شأنُهما خطير

ومِنْ قبيلتنا الحشيشُ والكوكائين

ومِنّا الخبيثُ ومِنّا اللعين

كَمَا يَضُمُّ حِلْفُنَا الخَمْرَ والقَات

وعقاقيرَ الهَلْوَسَةِ والمُنَشِّطَات

وأخيراً..وليس آخراً ..تأتي المهدئاتُ والمنوِّمات

القاضي :

كيف تَدْخُلِينَ الجسمَ .. وما هي الغايات ؟

المخدرات :

أَدْخُلُ الجسمَ من عِدّةِ طُرُقات

أسرَعُها الحَقْنُ بالوريد ..ومنهُ تأتي أشدُّ الويلات

ثم يأتي طريقُ الفَم ..وبعدَهُ المُسْتَنْشَقَات

ومعَ التدخينِ نمضي .. عَبْرَ كلِّ القَصَبَات

قَصْدُنا نَسْفُ الدِّماغ ..فَهْوَ روحُ الأُمنيات

ممثل النيابة العامة :

ماذا تقولينَ عن التُّهَمِ التاليةِ ..وهي خطيرة žžžžžžžž

وإنْ أنْكَرْتِ ..فالأدلَّةُ لدينا كثيرة

أنتِ سببٌ في إفسادِ الأجيالِ وإضعافِ المجتمعات

وتَسْعَيْنَ دَوْماً لاغتيالِ الفضيلةِ ونشرِ المُنْكَرات

تَجْعَلِينَ مِنَ العاملِ النشيطِ .. بَليداً غَشَّاشَا

يَتَدَنى عطاؤهُ مع الأيامِ ..بل يتلاشى

وإلى الطالبِ المُجِدِّ تَبْغِينَ كي يصيرَ كَسُولا

كانَ بالأمسِ وردةً تتفتَّحُ ..فإذا بهِ يُعاني الذُبُولَ

يتحاشى الدُّروسَ ..ويمضي يَمْسَحُ الشوارعَ عَرْضَاً وطُولا

يألَفُ الغِشَّ والكَذِبَ ويَسْرِق .. بعدَ أن كانَ خجولا

كي يُجَاري رِفَاقَ السُّوءِ .. أو يُثْبِتَ الرُّجولة

أنتِ سببٌ في حوادثِ الطُرُقِ وارتكابِ الجرائم

وتُرَوِّجِينَ للدَّعَارةِ .. لإغراقِ المجتمعِ بالمآثم

تَوَدِّيْنَ نَسَفَ الدِّينِ .. وطَمْسَ كُلِّ المَعَالم

كي يَضِيْعَ الجِيلُ .. وتُقَامَ على المجدِ المآتم

هذهِ بعضُ الرزايا .. فَضْلاً عن الأمراضِ والأسْقَام

تَنْخُرِيْنَ كالسُّوسِ بِبُطءٍ .. كَبِدَ المُدْمِنِ والعِظَام

يُصْبِحُ الفتى النَّضِيرُ هَزِيلاً .. كأشباحِ الظلام

يَتَقَيّحُ الجِلْدُ مَكَانَ الحَقْنِ .. وقد يسري إلى الدَّمِ الإنسمام

( وفَيْروسُ الإيدز ) .. يَنْتَهِزُ الفُرْصَةَ عَبْرَ الزِّحام

يمتطي الحُقَنَ المُلوَّّثةَ .. ويحملُ الموتَ الزؤام

أنتِ فَتَحْتِ لَهُ البابَ .. لِيُمَارِسَ الإجرام

نكتفي بهذا .. والمِلَفُّ مفتوحٌ لِمَنْ أرادَ الزيادة

لِنَسْمَعَ مِنْكِ الجوابَ .. ونُسجِّلَ الإفادة

المخدرات :

أنا لا أُبَرِّئُ نَفْسي .. ولا يُفيدُ الإنكار

والفِعْلُ مِنِّي شَنيعٌ .. قد زالَ عنهُ الستار

لقد خَدَعْتُ الضَّحَايا .. زيَّفْتُ كلَّ الحقيقة

لَكِنْ أسوقُ عُذْراً .. فأَمهلوني دقيقة

دَعُوني لأكْشِفَ بعضَ الخَفَايا..

وكيفَ دخلتُ بُيوتَ الضحايا

فَهُمْ أدخلوني الحُصُونَ بِحُمْقٍ

يَضُمُّونَ للصَّدْرِ طَيْفي بِعُمْقٍ

يَشُمُّونَ عِطري .. وفيهِ السموم

يظنُّون أَنّي أُزيلُ الهموم

يُجَارونَ حِيْناً رِفَاقَ الطفولة

وقد يَحْسِبوني دليلَ الرُّجولة

فكيفَ وقد سَلَّمُوني الحُصُون

ويَرْمُونَ ناصِحَهُم بالجُنون

فَكُنْتُ أسيرة .. وصِرْتُ أميرة

وبعدَ النَّعِيمِ .. تَمَنَّوا حَصِيرة

ولو أوْصَدوا البابَ دُوني بِحَزْمٍ

لَعِشْتُ الحياةَ بأثْوَابِ قَزْمٍ

القاضي :

لقد أحسنتِ الجواب .. وقُلتِ عَيْنَ الصواب

وهذا يُخفِّفُ عنكِ العِقاب

ولكن .. بقيَ في الأذهانِ سؤالُ يَدُور

لدى الغائبينَ عن هذه الجلسةِ والحُضور

كيفَ يَسْتَخْدِمُكِ الأطباء .. وأنتِ سببٌ لكلِّ هذا البلاء ؟

المخدرات :

الأطباءُ رَوَّضوني .. وبحذرٍ يستخدموني

وبِدِقَّةٍ يحدِّدونَ الجرعات ..

ولا أُبَاعُ في الصيدلياتِ إلاّ بِوَصْفَات

فإن أرخَوا ليَ العِنان .. نَفَثْتُ سمومي كالثُعبان

فَمَنْ كانَ يُعاني الظمأَ .وفي جَوْفِهِ حريق

فَلْيَبْحَثْ عن الماءِ الزُلال .. ولا يتمرَّغْ في وَحْلِ الطريق

القاضي :

رُفِعَتِ الجلسةُ للاستراحة .. وفُتِحَتِ الأبواب

وقد آنَ الأوانُ لِنَكْشِفَ عن أبطالِ القصّةِ الحِجاب

أمّا البَيْت .. الذي عاشَ البُؤسَ .. بعدَ أنْ كانَ في النعيم

فهو جِسْمُ الإنسان .. الذي خَلَقُهُ الله في أحْسَنِ تقويم

والأعصابُ حُرَّاسٌ .. ينتشرونَ في كلِّ الأرجاء

وجِهَازُ المناعةِ يصطادُ ويُدمِّرُ كلَّ الأعداء

أمّا المخدرات .. فهي صاحبةُ الحكايات

وهي وَحْلُ الطريق .. والمُستنقعات

و( فيروس الإيدز ) .. صاحِبُ الطَعَنَاتِ المُهْلِكات

ينتقلُ بالحُقَنِ المُلوَّثِةِ .. والمشْبوهِ مِنْ العلاقات

فاحْذَرْ أنْ يَخْدَعَكَ أصحابُ الهَمَسَات

وإيّاكَ أن تَفْتَحَ البابَ للمخدرات

فهي تخدَعُكَ .. وتَسْتَجِرُّكَ رُوَيْداً ..رويداً .. بِمَكْرٍ وثَبَات

ثمّ يأتي مَنْ يَنْهَالُ عليكَ بالطَعَناَت

والعاقلُ مَنْ يَتَنَبَّهُ قَبْلَ الفَوَات

هذه نصيحةٌ من أخٍ يريدُ لكَ السلامة

فَخُذْها .. وأوْصِلها لِغيْركَ .. إنْ أعجَبَتْكَ

وتِلْكَ عَيْنُ الشهامة …